الحمد لله تعالى والصلاة والسلام على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:
فيرتكز حديثنا هنا بأمر الله تعالى في نقاط سريعة:
1- فالدعوة إلى الله تعالى من أجل شرائع الإسلام الحنيف الذي بعث به لبنة التمام ومسك الختام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذه الدعوة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ البشري فليست كما يظن البعض ويعتقد أنها نشأت من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذا خلاف ما جاء في القرآن والسنة من قصص الأنبياء والمرسلين الذين اصطفاهم الله تعالى لتبليغ دينه وشرائعه إلى العالمين.
ولإقامة منهج الله تعالى المنزل عليهم وسيادته على كل منهج بشري أو طاغوتي مخالف لمنهج الله تعالى ورسالته، وهذه من كبرى حقائق الدعوة التي لا ينبغي أن تغيب عن أذهان وعقول الدعاة إلى سبيل الله ورسله.
فتاريخ الدعوة كما بينه الله تعالى في كتاب المنزل - القرآن - كانت أولى خطواته في مسيرة الحياة البشرية الطويلة في زمان نبي الله ورسوله نوح عليه السلام،...لأن البشرية ظلت على فطرتها التي خلقها الله تعالى عليها بالتوحيد لله تعالى منذ أول البشرية آدم عليه السلام.
واستمسكت بها زمانا طويلًا كما ذكرت كتب القصص والتاريخ ما يقرب من ألف عام، حتى بزغ الشيطان بشركه وتلاعبه في العقول بأن يصرفها عن عبادة خالقها وموجدها سبحانه وتعالى.
والمتأمل لآيات القرآن وقصص الأنبياء تظهر له هذه الحقيقة جلية واضحة لا لبس فيها ولا غموض، كما قال تعالى "إنا أرسلنا نوحًا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذابَ أليم".
ثم توالت الرسالات والنبوات من بعده تترى لإعادة البشرية السالكة في طريق الشيطان والخسران إلى طريق النجاة والإيمان، والعبودية لله وحده المستحق لها بلا منازع أو شريك.
2- فالدعوة إذًا... هي طريق الأنبياء والمرسلين، وهي كذلك طريق الدعاة والمصلحين ومن ثم بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم وأورثها الله تعالى لنا من بعده"كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"...الآيات".
وهذه كذلك حقيقة أخرى لابد من الوقوف عليها وإدراكها، حتى لا يتفلت أحد منها ومن أعبائها الثقيلة الموكلة إلينا"قل هذه سبيلي أعوا إلى الله على بصيرة".
ومن ثم ورثت الأمة الإسلامية اليوم هذه التبعة الثقلية، والرسالة الجليلة، وقامت جهود الدعاة هنا وهنالك تنادي بواجب الدعوة إلى الله تعالى ووجوب العودة إلى منهج الحق والإسلام الذي به صلاحنا في الدنيا والآخرة وبه هدايتنا وسعادتنا كذلك.
3- فقام رجال ممن حملوا على عاتقهم حمل الرسالة وتبليغ الأمانة،بجهود كثيرة ومحاولات كبيرة، لإعادة الأمة إلى الكتاب والسنة وتحكيم شريعة الله تعالى وجعلها منهج حياة،يحكم الواقع البشري كما أراده الله تعالى لها.
وكان قيام ذلك بشدة بعد توالى الحملات التترية والصليبية وكذلك الصهيونية على العالم الإسلامي بعدة غارات ومكائد وحروب،كان من نتائجها سقوط الخلافة الإسلامية بقيادة الدولة العثمانية، وقيام العميل اليهودي مصطفى كمال أتاتورك بالوصول إلى مقاعد السيادة والحكم بعد قرار إلغاء الخلافة الإسلامية.
ومن ثم تم تمزيق العالم الإسلامي والعربي إلى دويلات ممزقة يفصل بينها حدود جغرافية مصطنعة،وما ذلك إلا لاحتواء العالم الإسلامي وإحكام السيطرة عليه وضربه في أي وقت بيد من حديد وتطويعه لمطامعهم ومكائدهم وأحقادهم..
فقام المسلمون في فزع من غفلتهم ورقادهم على إثر ذلك وبدأت هنا وهنالك جهود فردية وغيرها ربما شابها تلك الأخطاء والهنات التي جعلت طرائق الدعوة مختلفة لأنها من نتاج أفهام وعقول مختلفة في دقة فهمها واستنباطها للأحكام والمناهج التي يريدون أن تكون لهم كالقاعدة في البناء والدعوة إلى الله تعالى وتحكيم شريعة الإسلام،فنشأت مناهج دعوية مختلفة في الوسائل والأفكار.
فنشأت جماعات دعوية كالإخوان في مصر والتبيليغ التي كان مبدأ أمرها من بلاد الهند والجماعة الإسلامية والجهادية وغيرها.
وكذلك في الجزائر والمغرب،ولكل وجهة هو موليها،فهذه الجماعة ترى في مناهجها وأفكارها أنه المنهج الأفضل الذي يمتلك مقومات العودة إلى سيادة الحكم وعودة خلافة الإسلام، وكذلك ترى الأخرى وهكذا تفرقت الجماعات باختلاف المناهج والتصورات لمنهجية العمل الدعوي المناسب للعودة إلى حياة إسلامية نظيفة واستئنافها في ظل مناهج الإسلام الحاكمة.
وحسب أصحابها أن نظن فيهم الخير وحب الإسلام، الذي ربما بدا لنا من جهودهم وحركتهم للدعوة الإسلامية، لكن الإخلاص وحده لا يعفي صاحبه من تبعة الحق الثقيلة من الاتباع الصحيح القائم على علم وفقه صحيح قائم على الكتاب والسنة،موافق لمراد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
4- فهذه المناهج الدعوية جلها يزعم الوقوف على الكتاب والسنة، والعمل الدعوي والمنهجي الصحيح ولكن أنى لهم ذلك، فنصوص الكتاب والسنة لا بد من شهودها لصاحب العمل بصحته وصحة فهمه وعمله، فالثلاثة الذين ذهبوا إلى بيوت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته خير شاهد على ما أشرت إليه هنا.
فإخلاصهم في العمل وحرصهم على التعبد لله تعالى بما لم يتعبد به رسول الله صلى الله عليه وسلم،لم يعفهم من كونهم خالفوا منهاج النبوة الوسطي الذي جمع بين عبادة القلب والجوارح واستقامتها، وبين شؤون الحياة الدنيا ومصالحها.
ولهذا قام النبي صلى الله عليه وسلم بالتعقيب والتوجيه ومن ثم التحذير من المخالفة لما جاء به من الهدى والشريعة، وكون المخالف لن يصل إلى شيء مما أراده بغير الطريق التي يسلكها رسوله ونبيه صلى الله عليه وسلم.
وإن حسنت نيته ونقت سريرته،لكن لا بد من أن تستقيم أيضًا طريقته. فهذه المناهج الدعوية المختلفة في كثير من مناهجها وتصوراتها وقعت فيما وقعت فيه هؤلاء الثلاثة وهم يظنون أنهم على شيء، وأنهم أردوا الهدى والهداية للخلق ولن يدركوا ذلك بغير الطريق الذي أشرنا إليه آنفًا.
وهذا هو ما دل عليه صريح القرآن وصحيح السنة فمن ذلك قول الله تعالى:"فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" وقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"افترقت اليهود....إلى قوله...قال ما أنا عليه اليوم وأصحابي."
5- فهذه الجماعة التي تقوم اليوم بواجب الدعوة إلى الله تعالى لا بد لها من لزوم منهاج النبي صلى الله عليه وسلم وثمت أصل آخر ألا وهو طريق أصحابه رضي الله عنهم جميعًا.
وهذا الطريق أكد عليه القرآن بشدة في كثير من آياته الكريمة كقوله تعالى:"ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرًا " فما هو سبيل المؤمنين غير سبيل الصحابة ومن تبعهم رضي الله عنهم جميعًا، وكذلك نصوص السنة النبوية"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين....الحديث". لماذا...؟؟
لأن التفرق ما وقع في الأمة إلا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ووجد ذلك كثير من الصحابة رضي الله عنهم، ثم تشعبت الفرق والمذاهب والأهواء بداية من القدرية والخوارج والمرجئة والمعتزلة والشيعة والصوفية إلى أن تعددت الفرق والنحل المختلفة وتشتت بين الأمة الإسلامية.
ومن ثم كان ولا بد ممن يظهر بالحق ويصدع به ويعتصم بمنهج النجاة من ضلالات هذه الفرق والأهواء،فكان من لزموا الصراط المستقيم من أهل السنة والجماعة وقاموا بالذود عن شريعة الإسلام الصافية.
ووقفوا حراسًا عليها أمناء،يحققون ويدققون وينقبون،حتى لا يختلط الحابل بالنابل كما يقال، وكانوا يقولون سموا لنا رجالكم حتى نعرف حالهم، فوقفوا حيث جاءت نصوص الوحيين الصافيين من الكتاب والسنة ولزوم ما كان عليه الصحابة الكرام وعملهم وإجماعهم.
ووقفوا عند مراد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولزموا السكوت والتأويل فيما سكت فيه الصحابة، وانتهوا عن التعمق والتكلف فيما لا علم لهم به.
6- واليوم جاء دورهم في وسط هذا الخضم الكبير من هذه الفرق والمذاهب، فأهل السنة ملازمون لطريق الدعوة لا يتخلفون عنه ولا يحيدون، وبه وبأمر الله قائمون،لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم وإن قل عددهم و تفرقوا في البلاد،منصورون قائمون.
وإن باعدت بينهم الأقطار والأمصار وكذلك الأعصار،جاء دورهم لريادة دعوية مستقيمة سديدة، لا يشوبها شيء من المخالفات، ولا البدع والأهواء،نعم فالجماعات الإسلامية اليوم نتمنى لهم تصفية مناهجهم وتصويب أخطائهم فلا بد للعبد من الزلل، ولا حرج من إعادة النظر فيما خالفوا فيه وزلوا.
ولا حرج من تقويم مسيرة الدعوة الإسلامية في مناهجهم وتصوراتهم، لتستقيم على مناهج النبوة وطريق الصحابة رضي الله عنهم، وإن كان منهم من يعد من أهل السنة ومحسوب عليهم فلينظر هل ما لديه متوافق حقًا مع منهج أهل السنة والجماعة،وهل الذي عليه اليوم هو"هو" ما قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم"ما أنا عليه اليوم وأصحابي".
نعم الدعوة إلى الله ليست مناهج تكتيل وتكديس الأعداد حولها وفقط إنما هي منهج حياة كبير، وجذر ضارب في التاريخ البشري بطوله،فعلى جنود الدعوة وهذا نداء لا بد منه أن يفرقوا بين ما تصوروه ووضعوه في منهاج دعوتهم.
وبين ما جاءت به نصوص الكتاب والسنة من لزوم الكتاب والسنة وطريق الصحابة أولًا ثم من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ولا ريب أن الدعوة إلى الله تعالى من أشرف الأعمال عند الله تعالى.
والاستقامة على أصولها من الثوابث الأصيلة منهج واجب الاتباع ولا تجوز مخالفته، وإن أولى الناس الناس بهذا الاتباع هم أهل السنة والجماعة الذين تميزوا عن سائر فرق أهل البدع والأهواء،فأهل السنة اليوم هم في خندق حقيقي كبير، وحرب ومكائد مختلفة المشارب، فأهل الكفر أعداء لهم، وأصحاب الفرق والضلالات والبدع كذلك أعداء لهم، بل وهناك من جلدتهم من هم أعداء لهم، وباسم الكتاب والسنة يتكلمون.
والعلمانيون والمنافقون أعداء لهم وهكذا، وقف الكل لهم بالمرصاد يناصب لهم العداء ويكيد لهم الحقد والمكر. فيا أيها السالكون طريق الدعوة إلى الله المنهاج واضح، والطريق لائح،والحادي صائح،فهل أنتم متوحدون،وهل أنتم حقًا للإسلام راغبون،فإن كان الجواب.. نعم... فلم الاختلاف والتناحر...،ولم الصياح والتشاجر...،فهل أنتم معتصمون...؟.
بعد هذا أقول:
طريق الدعوة طريق الدعاة والمصلحين، وأهل السنة أولى به من غيرهم، وأصول طريقهم ترجع إلى ثلاثة أصول كبرى اليوم: الكتاب والسنة وما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين، وما سوى ذلك اليوم من مناهج وأفكار وتصورات على طريق الدعوة لن يكون لها الحظ الأوفر في هذا الطريق.
فقد جربت الأمة المناهج والتصورات بعيدًا عن هذه الأصول... فلا زالت تتفرق وتتشرذم وتتباعد وتتناحر،..
والعدو لا ريب هو الفائز في هذه المعركة الكبرى معركة التوحيد والكفر، فائز حقًا من تفرقنا بغير منهاج ولا بصيرة، وإنما نصرنا عليه، وغلبتنا له تكون بالاعتصام بأصول الطريق وإن تفرقت المشارب والأهواء، والحق في كل حاله منصور لأنه الحق، ومحفوظ من الحق،...فهل ممن مجيب....الله المستعان.
--------------------------------------------------------------------------------
الكاتب: الشيخ عاطف عبد المعز الفيومي
المصدر: شبكة القلم الفكرية